اليوم هو ليلة القدر إذا رأيت هذه العلامات فأعلم أنها كانت ليلة القدر
قال ابن رجب: وأما العمل في ليلة القدر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه. وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة. وقد أمر عائشة بالدعاء فيها. وأما العمل والعبادة في ليلة القدر، فقد كان النبي الكريم صلى الله عليه
وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وهذه أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها والله أعلم. وقال الشعبي في ليلة القدر ليليها كنهارها. وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر” متفق عليه. وشد المئزر كناية عن اعتزاله النساء واجتهاده في العبادة.
وقال ابن الجوزي: “وقد كان السلف يتأهبون لها، فكان لتميم الداري حلة بألف درهم يلبسها في الليلة التي يرجى أنها ليلة القدر. وكان ثابت وحميد يغتسلان ويتطيبان ويلبسان أحسن ثيابهما، ويطبيان مساجدها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر. وقد قال النبي الكريم: “إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم”. رواه ابن ماجه.
الحكمة في تخصيص هذه الليلة بسؤال العفو؛ ذلك لأن العبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منته عليه، ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته، فهو يعلم أن ربه لو عذبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه.
دعاء ليلة القدر
يقول ابن كثير: والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: “اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين
يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا، ولا حالا ولا مقالا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر. وهذا الدعاء يجعلنا نقف عدة وقفات ونستخلص منها العبر وهي:
الحكمة في تخصيص هذه الليلة بسؤال العفو؛ ذلك لأن العبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منته عليه، ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته، فهو يعلم أن ربه لو عذبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه، ولهذا كان في حديث سيد الاستغفار: “أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي”، فلا
يرى نفسه إلا مقصرا مذنبا، ولا يرى ربه إلا محسنا”.الدعاء بهذا اللفظ يتضمن أدبا من آداب الدعاء المهمة: وهو الثناء على الله تعالى بما هو أهله، وبما يناسب مطلوب الداعي؛ أي تمجيد وثناء العبد على ربه، والآخر: سؤال من العبد لربه.استشعار حسن الظن بالله تبارك وتعالى: فيعمر قلب المؤمن بالرجاء.حاجة العبد وفقره إلى عفو الله تعالى.يسر الإسلام: وتسري دلائل هذا التيسير وأماراته في جميع مناحي التشريع، ومنها أدعية الوحيين، حتى قالت عائشة: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك”.
في نهاية حديثنا وتبحرنا في فضائل وعظيم قدر ليلة القدر نختم بأبيات شعرية تتناسب وسياق قولنا:
يا رب عبدك قد أتاك .. وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه .. من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على .. الذنوب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفوك .. من عقابك ملحفا
رب اعف عنه وعافه .. فلأنت أولى من عفا
المصدر الجزيرة